السبت، 12 أغسطس 2017

الإخوان المسلمون ... توقعات أم خدعات؟ (جزأين) أ. حسن بن فرحان المالكي.

الإخوان المسلمون ... توقعات أم خدعات؟
-         الجزء الأوّل -

إذا اجتمع الناس على فرد أو تيار؛ غالباً أتجنب المشاركة في ذلك؛ لكن؛ هذا لا يمنع من النصيحة الهادئة؛ وأنا هنا متسائل أكثر منه ناقداً؛ والسؤال: ألم يسأل الإخوان أنفسهم عن التوقعات القاتلة ويحاسبون هؤلاء المتوقعين؟.. لاحظوا أني تجنبت لفظ الخداع..
سأشرح الموضوع أكثر؛ ماذا كان توقع الإخوان مع بداية الربيع العربي؟ ألم يكونوا يتوقعون أن (أهل السنة) هم الأغلبية في مصر وسوريا وتونس واليمن؟ الجواب : بلى، وهو حق، فما المشكلة؟
أقول حسناً، لا أخالف في هذا التوقع الأول؛ إنما المشكلة في التوقعات اللاحقة، 2 و3 و4 ..الخ؛ فما هي؟
التوقع الثاني: أن تلك الأغلبيات السنية في تلك البلدان ضد حكوماتها مثلما الإخوان ضدهم! وهذا التوقع هو الكارثة، والواقع يكذبه؛ وسنشرح: عندما ظن أو توقع - ولن أقول خدع - رموز الإخوان أن (تلك الأغلبيات الشعبية) معهم، أي أن كل سني سيكون معهم، وقعوا في خطأ قاتل أسال الدماء .. وأسال الدماء عن طريق التوقع الثالث؛ وهو:
أن الإخوان إذا دعوا هذه الشعوب للوقوف معهم ضد الحكومات؛ فسيجيبون فوراً لأنهم ( سنة)!! كما في سوريا؛ ثم التوقع الرابع القاتل؛ وهو: أن المظاهرات لا تنفع؛ ولابد من رفع سلاح ووقوع ضحايا حتى يقوم (أهل السنة) بنجدة الضحايا ونصرة القضية!
توقع قاتل.
ثم التوقع الخامس: وهو؛ أن أفتى القرضاوي وغيره باستحلال دماء رئيس هذه الدولة أو ضباط جيشها أو ..الخ؛ فسيتم التنفيذ فوراً؛ لأنهم أهل سنة؛ وسيسمعون!
ثم التوقع السادس: وهو؛ أنه إذا أعلنوا بأن نصرتهم للشعب وليس لحزب ولا طائفة ولا تيار ..الخ؛ سيكون كافياً للتغطية على الجرائم المرتكبة على الأرض..
ثم التوقع السابع : أنهم يظنون أن كثرة الكلام على ضحايا السلطة والسكوت على ضحاياهم سيثبت أنهم أهل عدالة وأنهم مظلومون وباحثون عن حرية وعدالة..! ثم هكذا تتسلسل التوقعات (الإخوانية والسلفية أيضاً)؛ واحدة بعد الأخرى، بلا توقف؛ رغم الخيبات والضحايا وتدمير الدول والشعوب الخ..
إصرار عجيب!
لذلك؛ أقول لإخواننا - الإخوان وتيارهم ومن وافقهم من السلفية - اسألكم بالله؛ ألم تكن هذه توقعاتكم؟ من الذي توقعها؟ ولماذا لا تحاسبونه عليها؟
لا أظن أن الأمر خداع متعمد (وإن كان موجوداً؛ فهو منتَج لا منتِج) بمعنى؛ أن التوقع والآمال كانت هي الأولى؛ ونتيجة ضعف قراءة للواقع السني خاصة..
الواقع السني ليس مع الإخوان ولا السلفية؛ الواقع السني في سوريا ومصر واليمن ..الخ  ليس مع الإخوان ولا السلفية؛ هو مع تلك السلطات؛ بغض النظر عنها؛ صحيح أن الواقع السني الأغلبية؛ ففي سوريا مثلاً السنة نحو 85%؛ لكن أكثر هؤلاء مع بلدهم ونظامهم ودولتهم أكثر مما هم معكم؛ سواء أصابوا أم أخطؤوا؛ فتوقعكم القاتل بأن هؤلاء ال 85% سيكونون معكم هو الكارثة؛ وليس أن توقعكم الأول (أنهم أغلبية)؛ التوقع الثاني هو الكارثة (أنهم سيكونون معكم)؛ وأحياناً يصح التوقع الأول والثاني، ثم يكون الثالث كارثة؛ مثلاً مصر؛ أصاب الإخوان عندما توقعوا أن أغلبية مصر سنة؛ وربما أغلبيتهم إخوان وسلفية؛ فالتوقع الأول (أغلبية مصر سنة ) صحيح؛ والتوقع الثاني (أغلبيتهم سلفية وإخوان) صحيح؛ لكن التوقع (الثالث) بأن هؤلاء سيقاتلون معهم كان كارثياً! الإخوان ليس عندهم نضج سياسي بدلالة الواقع؛ فالواقع ليس كما كانوا يتوقعونه أبداً؛ وهم كبير؛ عندهم أناشيد لسيد قطب وآمال في أدبيات البنا؛ وخلاص.
الإخوان لا يعترفون بالدراسات الاجتماعية والنفسية والسياسة؛ وليس لهم إنتاج بحثي في هذه الأمور؛ عندهم موسوس متعاظم كالنفيسي أصدق من كل الدراسات؛ فلذلك؛ جروا على أنفسهم وعلى الشعوب كل هذه الويلات؛ و لا يتراجعون؛ حتى لو جرى عليهم وعلى غيرهم كل شر؛ ليسوا مستعدين للتأمل والنظر والمراجعة؛ توقعات الإخوان كانت أقرب إلى الأحلام والآمال؛ وظهر فيهم الكبر والشعور بالعظمة؛ وهذا مكروه عند الله؛ (إنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم)!
نصيحتي للإخوان؛ من خصم عاقل؛ راجعوا أنفسكم؛ قد يكون الخلل منكم؛ حتى لو رأيتم أنكم الأصلح؛ اسألوا : لماذا كل هذا؟؟ (قل هو من عند أنفسكم)؛ ففتشوها؛ الهجمة عليكم الآن كبيرة؛ أعرف هذا؛ لكن؛ أنتم؛ ألم تكن هجمتكم طوال سبع سنوات شرسة جداً؛ ومتعالية؛ ومتكبرة؛ وحالمة؛  وظالمة ؟؟ لماذا لا تراجعون؟ تذكروا أنكم لستم أفضل من رسول الله ولا المؤمنين يوم أحد؛ ألم ينهزموا؟ هل كان الخلل من تآمر الكفار؟ كلا؛ الخلل منهم في نص القرآن الكريم؛ راجعوا؛ لا تعتمدوا على أنفسكم فقط؛ لستم أهلاً للعلم بسنن الله؛ ولا تدبر القرآن؛ ولا وعي بالتاريخ؛ ولا تصفية نفس؛ صح؛ فيكم صلاح عملي؛ لكن بلاؤكم من العلم؛ هذه نصيحة؛ إن أردتم أخذها والبناء عليها ونقدها فهذا من فضلكم وحرصكم .. وإن أردتم رفضها؛ فليست أول نصيحة ترفضونها؛ المهم؛ اللهم هل بلغت.
وحقيقة الأمر؛ أن قياس أنفسهم على الحسين أو ابن الزبير أو المهاجرين والأنصار بالحرة؛ أو حتى في الثورة على عثمان؛ قياس مع الفوارق الكبيرة. وهذه نعم من الفوارق بين الإخوان والسلفية؛ أن السلفية - وفق رموزهم - يدينون ثورة الحسين من باب طاعة الحاكم الظالم المتغلب؛ والإخوان يحتجون بها.. فالإخوان يحتجون بثورة الحسين على السلطان الجائر الظالم المتغلب؛ على عكس السلفية التي تكون مع المتغلب ضد أي ثائر؛ إلا معاوية؛ فهم يتعاطفون معه.
الإخوان في استدلالهم بثورة الحسين يهملون عدة فوارق رئيسة؛ فالنظام غير النظام؛ والثائر غير الثائر؛ والأهداف غير الأهداف؛ والنتائج غير النتائج..
دعونا نفصلها باختصار:
1-   النظام أيام يزيد استبدادي أكثر من الأنظمة العربية اليوم؛ وهذا ينبغي على الإخوان بحثه ليكون عندهم وعي تاريخي صحيح
2-   الحسين سيد شباب أهل الجنة، وليس كأمثال هؤلاء الإخوان، ولم يخرج لسلطة؛ وعرض عليهم العودة من حيث أتى لما رأى الخذلان؛ ولكن السلطة قتلته.
3-   صحيح أن صورة الحسين شوهتها السلطة كثيراً، ولكن براءة الحسين قد روتها السلطة أيضاً - معظم سيرته رواها الجيش القاتل له؛ تاب بعضهم فروى.
4-   أن القتال قديماً هو عسكر أمام عسكر، وفي صحراء؛ ليس فيها مدنيون ولا عامة؛ ولا يصاب إلا من حضر المعركة، وليس كاليوم وما يفعله الثوار والسلطة.
5-   أن الحسين عليه السلام انتقل للكوفة بأهله كما انتقل رسول الله للمدينة بأهله، فلو غدر به الأوس والخزرج بعد أن وعدوه النصرة فالذنب عليهم هم.
6-   أما الإخوان؛ فلم يقودوا بأنفسهم ولم ينتقلوا بأهلهم ، وكانوا يفتون ويحرضون من الفنادق والبيوت وحولهم أهلوهم، وبقية الناس في دماء وبلاء وضنك.
7-   أن الحسين أعدل من يزيد بالإجماع، ولو حكم لنشر العدل والقسط كأبيه وجده أو قريب منهما على الأقل، أما الإخوان؛ ففتاواهم وواقعهم تقول بالضد.
8-   الحسين - لما غدر به أكثر أهل الكوفة ونقضوا مواثيقهم - عرض على جيش يزيد أن يرجع ويترك هذا الأمر، لكنهم أرادوا قتله بغضاً لآل محمد؛ بعكس الإخوان؛ بمعنى؛ أن الحسين قدم إليهم بطلب شعبي وليس بطلب منه؛ لم يقم بأي طلب حتى أرسلوا له الوفود بعد الوفود؛ وأنه يجب عليه أن يكون أول من ينكر المنكر؛ بينما الإخوان هم من يطالبون الشعوب ولا يتقدمون الصفوف ولا يشاركون الثوار بأهليهم وأبنائهم ..
لم يكن عادة أهل البيت البقاء في البيوت؛ أهل بيت رسول الله - ورأسهم رسول الله نفسه - كانوا يشاركون بأنفسهم؛ النبي اشترك في الغزوات الكبرى؛ علي اشترك بنفسه في قتال البغاة؛ الحسين كذلك..
قد يقال: أنت الآن توجب على القرضاوي والإخوان أن يشاركوا بأنفسهم؛ والزمن غير الزمن؟
أقول: فلماذا يستدلون بسيرة الحسين والزمن غير الزمن؟ الحسين أعلى من السنة والشيعة؛ ومن الإخوان والسلفية؛ ومن السلطات والمعارضات؛ فلا تدخلوه في أهدافكم ولا في صراعاتكم ؛ قصته قصة أخرى؛ لا تفهمونها؛ المتقاتلون جميعاً من الثورات والسلطات هم أقرب إلى سلوك يزيد؛  ولا علاقة لهم بالحسين لا في هدف ولا سلوك ولا علم ولا عدل ؛ فلا يتمسح أحد به؛ وليس الحسين وحده من يتمسح به الثوار والأنظمة؛ بل رسول الله نفسه؛ كل فريق ينسبه لنفسه؛ بل القرآن؛ كل فريق ينسبه لنفسه!
رجاء؛ اتركوا المقدسات جانباً؛ لو أراد الإخوان ثورة الحسين لقالوا: في حالة طلب شعب معين الثورة؛ وأعطوا المواثيق؛ وكنا نضمن سلامة المدنيين؛ وكانت المعركة في أرض صحراء ؛ فنعم؛ هنا نستطيع أن نقول أن ثورتهم – شكلاً - تشبه ثورة الحسين؛ أما مضموناً؛ فقد بقي الكثير جداً مما يضاد فكر الإخوان وينسف عصبيتهم وعشقهم للسلطة.
تعالوا لنتعرف على أهداف ثورة الحسين من الداخل - من خطاباته مع فريقه ومع الفريق الآخر - لننظر الفرق بين مادة الحسين السياسية ومادة الإخوان.. وقد روى الرواة الشيعة والنواصب جميعاً، ما يؤكد على أن الإمام الحسين عليه السلام قدم للوفاء بالعهود والمواثيق؛ ومشاركة الناس لتغيير الظلم؛ ثم عرض عليهم إن هم لا يريدونه أو نقضوا عهودهم فسيرجع؛ وليس لهم في ذمته دم ولا شيء؛ لكنهم هم من رفض ذلك..
راقبوا الحوار التالي مثلاً :
روى الطبري و البلاذري وابن الأثير وغيرهم - وكلهم سنة - أن الحسين صلى بالجيشين جميعاً، جيشه الصغير وجيش السلطة؛ ثم خطبهم بنصيحة عامة فقال:
(( إن هؤلاء - يعني بني أمية وولاتهم - قوم لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، فأظهروا الفساد، وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء ؛ وأنا أحق من غيّر؛ وقد أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم؛ فإن تتموا علي بيعتكم تصيبوا رشدكم، ووبخهم بما فعلوا بأبيه وأخيه قبله - أي من الخذلان - فقام زهير بن القين فقال:  والله لو كنا في الدنيا مخلدين لآثرنا فراقها في نصرتك ومواساتك. فدعا له الحسين بخير.
وأقبل الحر بن يزيد يقول - وكان قائد الطليعة لابن زياد-  يا حسين؛ أذكرك الله في نفسك؛ فإني أشهد لئن قاتلت لتقاتلن ولئن قوتلت لتهلكن، فقال الحسين: أبالموت تخوفني ؟ أقول كما قال أخو الأوس:
سأمضي فما بالموت عار على الفتى ___ إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه ___ وفارق مثبوراً وخالف مجرما
فإن عشت لم أُذمم وإن مت لم أُلم ___ كفى لك ذلاً أن تعيش وترغما.
ثم كانت [ خطبة الحسين قبل القتال]؛ وهي:
((أيها الناس اسمعوا قولي، فتكلم بكلام عدد فيه فضل أهل بيته، ثم قال:  أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟ أو بمال استهلكته؟ أو بقصاص من جراحة جرحتها ؟))
قلت: فأين هذا الكلام من كلام الإخوان؟ وأين براءة الحسين من ثوراتهم وما جنت؟ الرجل قتلوا رسله وعبثوا بهم ثم يعرض عليهم أن يعود من حيث أتى؛ ثم تقول بقية الرواية:
(( فجعلوا لا يكلمونه؛ ثم نادى: يا شبث بن ربعي؛ يا حجار بن أبجر؛ يا قيس بن الأشعث؛  يا يزيد بن الحارث؛ ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب وطمت الجمام، وإنما تقدم على جند لك مجند؟
 قالوا: لم نفعل (!!)
ثم قال: أيها الناس، إذ كرهتموني فدعوني أنصرفإلى مأمني)) اهـ
قلت: انظروا إلى الفرق الواسع بين سيرة الحسين واستجابه لمن طلب منه إنقاذ الدين والناس من الظلم؛ ثم ماذا عرض عليهم بعد النكث؟
هذه حالة مثالية في تلك الأزمان؛ ولو نكث الأوس والخزرج على رسول الله ما قال غير هذا الكلام؛ تصوروا مشهد أن الأنصار نكثوا على النبي؛ ماذا سيقول؟
ثم تقول الرواية:
(( فقال له قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك؛ فإنهم لن يروك إلا ما تحب.
فقال: إنك أخو أخيك، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل الذي غره أخوك، والله لا أعطي بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبد.
عباد الله، " واني عذت بربي وربكم أن ترجمون؛ وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ")) . اهـ النص
هذا هو منهج الحسين؛ وهو منهج النبيين؛ فراجعوا الكتاب والسيرة؛ فهل هذا منهج الإخوان وداعش والنصرة؟
سأكمل لاحقاً... لأبين مزيداً من الفروق بين الحسين والإخوان؛ ثم الفرق بين نظام يزيد والأنظمة العربية.




الإخوان المسلمون ... توقعات أم خدعات؟
الإخوان..... والحسين
- الجزء الثاني-

ذكرنا في الجزء الأول، أن استدلال الإخوان وأصحاب الثورات بالحسين لا يتفق لا في الغاية ولا الواقع؛ وذكرنا عدة فوارق واختلافات؛ ومن أهمها بأن الحسين دعي من فئة قوية (شوكة) لتحقيق أهداف سامية ووعدوه النصر، كما دعي رسول الله من الأوس والخزرج؛ الفرق أن الذين دعوا رسول الله وفوا له بالعهود والمواثيق؛ أما الذين دعوا الحسين فنكثوا وغدروا؛ وبعضهم لم يمكن؛ وزج بهم في السجون؛ وبعضهم قتل الخ..
وذكرنا أن القتال في الماضي هو عسكر لعسكر = لا يتضرر أبرياء؛ وذكرنا أن الحسين عرض عليهم ترك الأمر مادام النكث قد حصل؛ لكن النفاق كان متكدساً.. وأضيف هنا؛ بأن الذين كاتبوا الحسين قسمان؛ قسم صادق حيل بينه وبين الحسين - رأسهم سليمان بن صرد الخزاعي؛ وقسم خائن ماكر - جماعة حجار بن أبجر العجلي - فالصادقون أمثال سليمان بن صرد الخزاعي بعضهم قتل وبعضهم سجن وآخرون خافوا وجبنوا؛ أما القسم الآخر (أمثال  حجار وشبث بن ربعي) فكانوا مع الدنيا؛ وخرجوا مع جيش السلطة لقتال الحسين؛ وذكرهم الحسين بكتبهم وعهودهم ومواثيقهم - كما ذكرنا في خطبة الحسين في الجزء الأول -  بل ذكرهم بأسمائهم.
الإخوان وأغلب الثوار لم يكونوا كالحسين؛ لا في الغايات ولا الظروف ولا العروض ولا المظلومية... بل بعض هؤلاء نواصب خلص؛ ولو وجدوا الحسين لقتلوه.
الغلاة والإخوان لا يعرفون من قصة الحسين إلا أنه ثار فقط؛ لا يعون التاريخ ولم يقرءوا الأحداث وتأثروا بالدعاية الأموية بأن الموضوع سلطة فقط! ثم غلاة السلفية هم أساتذة الإخوان، وهم مع يزيد ويرددون الأحاديث (من أتاكم وأمركم جميع فاقتلوه كائناً من كان) تعريضاً بالحسين؛ وينسون معاوية!
والذي رأيناه من الثوار الذين يدعمهم الإخوان أنهم ليسوا من المحبين للحسين؛ بل يتتبعون من كان يحب الحسين بنبش القبور وهدم الأضرحة كما رأينا في نبشهم قبر حجر بن عدي الكندي، وهدمهم ضريح عمار بن ياسر وأويس القرني وتهديدهم بنبش قبر أخته زينب بنت علي أخت الحسين ..الخ؛ وهكذا؛ فالإخوان والغلاة نتيجة أموية ثقافية؛ والأنظمة التي يحاربونها نتيجة أموية سياسية؛ فالقصة برمتها أموية في أموية؛ لا دخل لهم بمحمد وآل محمد.
لكن؛ تتميز الأنظمة العربية عن الإخوان والغلاة بكونها علمانية تؤمن بالمواطنة إلى حد ما؛ أما الغلاة والإخوان؛ فلو حكموا سيكون قدوتهم خالد القسري.
التمسح بالحسين - أو حتى بالقرآن؛ في الثورات -  ذات الأهداف الطائفية والفئوية؛ ليست على منهج القرآن ولا الحسين؛ هي حالات نفسية تبحث عن أي استدلال؛ السذاجة في فهم ثورة الحسين أو حركة الحسين أو استجابة الحسين للتغيير؛ هو الذي جعل الإخوان والغلاة يتذكرون الحسين بعد قرون من نسيانه وإخماله؛ وليس استدلال الغلاة والإخوان بالحسين بأبلغ من استدلالهم بالقرآن؛ والسذاجة هي المسيطرة في الحالتين..
ليس القرآن ولا الحسين مع داعش ولا النصرة؛ داعش والنصرة هم نتاج الغلاة والإخوان؛ شاءوا أم أبوا؛ هم النتيجة الكبيرة الظاهرة على الأرض؛ والسؤال: لماذا لم ينتجوا أصحاب ثقافة سياسية وحقوقية؟
والجواب ببساطة: لأنهما - الغلاة والإخوان - مازالوا إلى اليوم يشيدون ببني أمية وحكمهم وفتوحاتهم وقوتهم ..الخ؛  وتراثهم هو ذلك التراث الداعم لهم؛ وفي الطرف الشيعي أيضاً نرى (أبا عزرائيل) يحرق جثة مقاتل ميت؛ هذا سلوك بني أمية؛ لا سلوك الحسين ولا أهل البيت؛ هذه فتنة بني أمية وصلت للجميع.
صحيح أن التيار الأموي الثقافي نسب إلى علي كذباً وزراً تحريق مرتدين وزنادقة مثلما نسبوا لرسول الله شنائع منكرة؛ كل هذا لتثبيت السلوك الأموي! الثقافة النفاقية هي أم الثقافة الأموية؛ ولها أثرها في عقول الغلاة والإخوان؛ ولم يبقوا في عقولهم من فضائل الحسن والحسين إلا أنهما طفلان فاضلان!
الغلاة والإخوان لا يتعمقون في تدبر قرآن ولا قراءة تاريخ؛ ومراقبتهم لله ضعيفة جداً، يهمهم الجماعة فقط؛  فإذا رأت الجماعة شيئاً كأن الله سيتبعها!
لو تثقف الإخوان والسلفية بثقافة أهل البيت وحققوها؛ لاستطاعوا أن يتجنبوا غلاة السنة والشيعة معاً؛ ولكانت شهادتهم لله؛ ولما كانت هذه المآسي كلها.. الكتاب والعترة لا يختلفان حتى يردا على النبي الحوض - كما في متواتر السنة - لكن ثقافة الغلاة والإخوان هي ثقافة من هجر القرآن وقتل العترة؛ إذا رأيتم سنياً أو شيعياً يقتل على الهوية الدينية أو المذهبية؛ أو يحرق الجثث؛ أو ينبش القبور؛ أو يقتل المسالمين... الخ؛ فاعلموا أنه أموي لا علوي؛ الذين يبرؤون أهل البيت في بلاد المسلمين؛ كالذين يبرؤون القرآن في ديار الغرب؛ يجدون صعوبة وحرجاً؛ فالتشويه عميق جداً للكتاب والعترة معاً..
القراءة الخاطئة للقرآن والنبوة والعترة؛ هي القراءة الطاغية على المتدينين وغير المتدينين؛ لن يسمح لنا الشيطان بفهم كتاب ولا نبوة ولا عترة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق