الأربعاء، 30 أغسطس 2017

الثقافة القضائية! - الجزء الثالث - أ.حسن فرحان المالكي. @HsnFrhanALmalki

الثقافة القضائية! - الجزء الثالث - 


الثقافة القضائية! - الجزء الثاني - أ.حسن فرحان المالكي. @HsnFrhanALmalki



من الجزء الأول إلى هذا الجزء ، ما زلنا في تدبر آية واحدة من الآيات الخاصة بالقضاء (وجوب الحكم بما أنزل الله)؛ وأن (الحكم بما أنزل الله) أمر صعب لا يقوى على تطبيقه المتدينون؛ فضلاً عن غيرهم، كالحكم في موضوع (الردة)؛ فحكم الله لا يطيقه أغلب المتدينين؛ حكم الله في هذا الموضوع هو ما أنزل الله (فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره)؛ وهذا حكم صعب جداً على نفوس المتدينين، إذ كيف يتركون  لمن أراد أن (يستهزيء بآيات الله ويكفر بها) علناً!؟ فما أنزله الله هنا لا يتفق مع النفسيات المتدينة التي تكونت عبر التاريخ وتتجه لإيقاع عقوبة ( القتل ) لمن استهزأ بآيات الله أو كفر بها (بناء على حديث آحاد)؛ بل ضعيف عند التحقيق؛ ولكن؛ لأن الحديث - وإن كان ضعيفاً - إلا أنه يتفق مع النفسيات المتدينة غالباً؛ وعلى هذا تركوا (ما أنزل الله) ولم يستطيعوا (الحكم بما أنزل الله) لصعوبته، وذهبوا إلى الحديث؛ فالحديث الضعيف مريح للنفوس لأن فيه قتل من استهزأ بآيات الله أو كفر بها؛ أما (ما أنزل الله) فهو يكعر كثيراً من المزاجات عندهم ولا يطيقونه.
ولذلك؛ نبهنا القضاة إلى أن (الحكم بما أنزل الله) ليس بالأمر السهل لعدة أمور؛ أهمها: جهل (ما أنزل الله) أولاً؛ ثم صعوبته على النفوس ثانياً.
ثم استعرضنا الخصلة الثانية في الآية ( آية المائدة التي ذكرناها في الجزء الأول)؛ وهي نهي الله لنبيه الكريم من (اتباع أهوائهم)؛ وقلنا بأن معرفة الهوى صعب جداً؛ فكل فرد يرى أنه بريء من الهوى، وأن مخالفه هو صاحب الهوى، والسبب هو (ضياع المعيار ، أو المقياس) لمعرفة الهوى ما هو.
ثم تساءلنا؛ هل نستطيع أن نعرف خصائص (أصحاب الأهواء) من القرآن وليس من عقائد المتخاصمين؟ وقلنا بنعم؛ وذكرنا أهم علامة لأهل الأهواء في القرآن؛ وذكرنا تلك الخصلة البارزة؛ وهي؛ أنهم يتوسعون في (التحريم = يحرمون ما أحل الله)؛ سواء كانوا مسلمين أو يهود أو نصارى؛ وذكرنا بعض الآيات في ذلك؛ وعلى هذا يتبين لنا أن كثيراً من المسلمين قلبوا القرآن رأساً على عقب؛ فهم لا يحكمون بما أنزل الله؛ وهم أصحاب أهواء.. الخ؛ فالأمر صعب كما ترون.
نذكر بالآية التي يجب أن تكون أمام عيني كل قاضي، وكل نظام قضائي، ويجب أن يتم تدبرها بتوسع وعمق وصدق وتفسيرها من القرآن نفسه؛  ألا وهي : {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50) } [المائدة]
لو أخذنا الكتاب بقوة، لكفت هذه الآية في إصلاح القضاء في العالم الإسلامي كله؛ ولخففت - أو أبطلت - المشاكل الناتجة للحكم بغير ما أنزل الله.
تدبر الآية السابقة تدبراً مثالياً؛ شاهداً لله، مراقباً له وحده، لا يشرك به أحداً.. سيكشف حجم هجر المسلمين للقرآن، وتعدد طرق الالتفاف عليه؛ ولعل من أكبر فوائد الآيات السابقة - لو تدبرناها حق تدبرها - هو اكتشاف الذات، فاكتشافنا لأنفسنا على حقيقتها ثم نتواضع ونتعلم القرآن مجدداً.
لا أستطيع التوسع في هذه المادة، بحكم طبيعة الوسيلة هنا (تغريدات)؛ وإنما انتقل لموضوع آخر قرآني معطل قضائياً في كثير من البلدان.
الموضوع له تعلق بما تسمعونه هذه الأيام من محاكمات بين الكتاب والمتخاصمين؛ إذ يتم فصل المخاصمات، فالأطراف تقيم دعاوى عند قضاة مختلفين؛ وهنا تقع إشكالات عدة وتتناقض الأحكام ويقع الظلم لاختلاف الاجتهادات ..الخ.
ربما أدخل في الحل مباشرة مبتدئاً بمثل شعبي مشهور وهو : (من جاءك وقد فُقئت عينه فلا تحكم حتى يجيء خصمه فربما قد فُقئت عيناه)؛ هذا المثل أو الحكمة أو القاعدة، يجب تفعيلها في الخصومات الخاصة. ودمج دعاوى المتخاصمين الخاصة يحرج القاضي ويقلل من المحاباة ويؤدب الباديء بالظلم (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)؛ هنا دمج. لأنه وفق ما يشرح بعض القانونيين أن القانون القضائي في بعض الدول - لا كلها - بإمكان الظالم أن يقذف آخر ثم إن قال الآخر أنت كاذب يستطيع القاذف محاكمة المقذوف على كلمة ( كاذب) وينجو هو عندما يصادف أن يحاكم عند قاضٍ آخر مختلف فكرياً ويرى أن هذا القذف من السب المشروع؛ فالحل أن تجمع دعاوى الخصمين الخاصة عند قاضٍ واحد، ويستأنفون إن شاءوا، وتظهر للعلن بتسبيبها وفق (إلا من ظلم)، أما التفريق؛ فله إشكالات عدة؛ والموضوعات والمشاكل القضائية كثيرة، ولن يتم التغلب عليها إلا بصناعة القاضي قرآنياً وإصلاح أي خلل في النظام القضائي بما يخدم العدالة.
ومن أهم الموضوعات أيضاً استبعاد القوانين الوضعية (المذهبية)؛ فضررها كبير على أي مجتمع، وقد نتحدث عنها لاحقاً.

شكرا لكم؛ وعيدكم مبارك مقدماً.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق