الجمعة، 18 أغسطس 2017

المثقف العربي واغتيال الرسول! - الجزءين الرابع والخامس- أ.حسن فرحان المالكي. @HsnFrhanALmalki

المثقف العربي واغتيال الرسول! 

الجزء الرابع


- آية: (والله يعصمك من الناس):
أهل الرواية يستحوذون على المثقف العربي، بخلاف المثقف الغربي الذي لا يكتفي بالمقارنة بين الروايات الصارفة عن الحدث والجمع بين متناقضاتها، بل يستنتج منها معلومة ثالثة مخبأة ربما كانت سبب هذا التناقض.. لذلك؛ لم يفكر المثقفون العرب في إمكانية (اغتيال الرسول) صلوات الله عليه وآله، لأنهم تابعوا تفسير الرواة لآية (والله يعصمك من الناس)؛ والرواة اضطربوا في تفسير هذه الآية كثيراً، سواء من حيث زمن النزول أو المراد بالعصمة هنا أو المراد بالناس أيضاً، ولم يشغل المثفف العربي نفسه ببحث حقيقة ما جرى لرسول الله، وهل فعلاً أنه كان معصوماً من كافة الناس؟ ألم يؤذى؟ ألم يجرح؟ ألم يحاصر؟ ألم يتعرض للسم؟ ألم ..الخ
فالمثقف لا يتذكر أن النبي جرح يوم أحد مثلاً؛ بل لا يتذكر أن الله قال (فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} [آل عمران: 144]؛ فاحتمال القتل وارد؛ فما معنى العصمة؟ يعصمه من ماذا؟ من القتل؟ أو التكذيب؟ أو السحر؟ أو الأذى؟.. الخ؛ من ماذا بالضبط؟
ثم؛ من هم (الناس) هنا؟ كل الناس أو بعضهم؟
طبعاً البعض يقول : وما الفائدة؟ سواء تم اغتياله بالسم أو قتل أو مات موتاً طبيعياً؛ فما الفائدة؟
أصحاب فما الفائدة ضعفاء عقول فلا تهتموا لهم؛ أصحاب (فما الفائدة) لا يقولونها في (اغتيال النبي يمن عدمه)؛ يقولونها في التاريخ كله؛ هؤلاء تهمهم الحياة المادية الحاضرة ويعوضون عن كسلهم؛ أو جهلهم بالتزهيد فيما يعجزون عنه؛ (رضوا بالحياة الدنيا) ولا يريدون تصحيح دين ولا اكتشاف خداع ولا كفر مسلم ولا إسلام كافر ..
حياة وبس.
أما العاقل فيدرك أن للتاريخ فائدة، وللوعي فائدة، وللمعلومات الصحيحة فائدة؛ ليس على مستوى الفكر، وإنما على واقع الإنسان كله؛ فالمعلومات المشوهة أو الكاذبة تنتج واقعاً كاذباً أو مشوهاً؛ والمعلومات الصادقة السليمة تنتج واقعاً صادقاً سليماً؛ ولذلك ما نراه من خلل في الواقع هو نتيجة خلل في المعلومات؛ وما نراه من سلامة في الواقع هو نتيجة سلامة معلومات؛ فالمعلومات الصحيحة تنتج عقلاً صحيحاً ثم الواقع؛ لذلك؛ لن نعول على أصحاب (وما الفائدة)؛ لأنهم لا يعترفون بفائدة التاريخ، ولا الوعي ولا أثر المعلومات في صناعة العقل والحياة والواقع. بل أجزم أن تشويه المعلومات أو غيابها أو تشويهها هو الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه مما لا يخفى على أحد، فالعقل المتسيب الساكن لا يبني شيئاً. ولولا أن بركات العقل الغربي هطلت على المسلمين والعرب - رغم كل القصور - لربما انقرض العرب و المسلمون نتيجة الكسل العقلي والاعتماد على الخرافات والتزيينات والتغطيات المعلوماتية، مما دفع المسلمين لتكدس الأوهام في أسباب الحضارة والتخلف.
لابد من عقل متسائل صادق حريص.
وعلى هذا، فالفروض التي طرحتها سابقاً يجب أن نحاول الإجابة عليها؛ أعني؛ ما معنى العصمة في الآية، ومن ماذا؟ ومن هم (الناس) المقصدودون ..الخ
الآية تقول: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [المائدة:67]
هل وقف المثقف العربي على هذه الآية؟ الآية في آخر سور القرآن نزولاً؛ والآية تحدثت عن وجوب (تبليغ أمر)؛ وهذا البلاغ (مادة التبليغ) تتوقف عليه الرسالة كلها؛ والعصمة هنا من ماذا؟
نعيد الآية مرقمة لنحاول أن فهم العصمة:
1-      يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ = المخاطب هنا هو صفة الرسول لا صفة النبي، فهو أمر خاص بالرسالة نفسها.
2-      (بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أي هناك شيء أنزله الله، ويجب على الرسول تبليغه، وفي آخر عهد الرسالة (فالمائدة أخر السور).
3- (وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) عجيب! ما هذا الأمر الذي إذا لم يبلغه الرسول فكأنه لم يبلغ الرسالة كلها؟؟
4- (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
أي أن الرسول صلوات الله عليه كان يخشى أن بلّغ هذا الأمر سيعرضه لماذا؟ أي لأي شيء؟ ومِن مَن؟
بمعنى؛ كيف يخشى رسول الله في آخر النبوة من تبليغ أمر ما؛ والجزيرة العربية كلها في يده؟ يخشى من ماذا بالضبط؟ قتل؟ تكذيب؟ اتهام؟ ماذا بالضبط؟ فالله وعد رسوله هنا بالعصمة من الناس؛ من هم الناس؟  ومن ماذا العصمة؟
السياق يدل على أنها عصمة من تكذيب واتهام؛ لا عصمة من أذى أو قتل أو سم. ليس المراد العصمة من القتل أو السم أو الأذى؛ لأن القرآن الكريم يخبر عن قتل أنبياء وعن احتمال قتل النبي وعن الأذى الذي وجده ...الخ؛ إنما يخبر الله بأنه سيعصم رسوله من أن يكذبه المسلمون أو يتهمونه حتى وإن أبطن بعضهم الكفر بذلك البلاغ؛ ولذلك الله ختم الآية بقوله (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [المائدة: 67]
هذه نهاية الآية التي تخبر أن بعض الناس؛ وإن كفر بالبلاغ باطناً؛ إلا أن الله سيعصم رسوله من إظهار هؤلاء (الكافرين بهذا البلاغ) أن يظهروا هذا الكفر في شكل تكذيب أو اتهام، أي لن تكون هناك معارضة في صدقه. فالناس في الآية ناس مخصوصون؛ وفي أمر خاص نزل في آخر النبوة، وقد ورد في القرآن الناس بالمعنى الخاص كثيراً؛ مثل آية (الذين قال لهم الناس..)؛ وعلى هذا؛ فلا يصح الاستدلال بهذه الآية على أن النبي لا يمكن أن يقتل ولا أن يُسم لأن الله قد أخبر أنه سيعصمه من الناس؛ موضوع العصمة مختلف. فلذلك؛ أجمع المسلمون تقريباً على أن النبي مات مسموماً؛ فأين العصمة (الجسدية) التي يقولون؟ وإنما العصمة من أن يكذبه المسلمون أو يتهمونه, ولذلك؛ يروي  البخاري في صحيح البخاري (6/ 9) إخبار النبي عن موته بالسم (فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمّ)؛ وهنا يجب أن يظهر الباحث العربي كما يفعل الباحث الغربي، ويقول: هذا الموضوع غير ممكن علمياً؛ فالسم لا يستمر هذه المدة الطويلة، هو سم جديد.
وآخر الأسئلة: من الذي اغتال الرسول بالسم؟ من هو صاحب السم الجديد؟ ولماذا تم إخفاؤه؟ وما ضرر الجهل به؟ وما أثر ذلك على مسيرة الدين كله؟.. إلخ
هذه الأسئلة الأخيرة لا يطرحها المثقف العربي؛ ولو كان النبي أوروبياً لطرحها المثقف الغربي وأنتج فيها مئات الكتب والأفلام.. حدث مفصلي كبير.





المثقف العربي واغتيال الرسول! 

الجزء الخامس
سأستعرض سريعاً معظم الروايات التي تتناول هذه الآية بالتفسير ومناسبات النزول وأنقدها باختصار، ومجموعها تفيد بالهروب من شيء ما، وهو ذلك الأمر الذي يتوقف عليه الرسالة برمتها، (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)؛ فذلك؛ الأمر يشبه مفتاج البيت؛ فعندما تعطي رجلاً بيتاً ثم تقفله يحق له أن يكون - إذا كان المفتاح عندك - فكأنك لم تبعني البيت؛ أو مثال أكثر دلالة، عندما تبني مدرسة وتضع مناهج ثم لا تعين  مديراً لها ولا هيئة تدريس وتترك ذلك لاختيار العامة، فيأتيك من يقول: كأنك لم تبن المدرسة ولم تؤلف مناهج ومقررات.
المقصود؛ أن في حياتنا العامة أمثلة توحي بأن بعض الأمور؛ إذا لم تتوفر؛ فكأنه لم يتوفر المشروع نفسه، وهذا يشبه (وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)؛ وكانت الآية قد نزلت في آخر حياة النبي، وقد بلغ كل شيء تقريباً، إلا أن ذلك الأمر الأخير كأنه المفتاح، أو مدير المؤسسة، أو مدير المشروع الخ؛ ولذلك؛ أتت التفاسير الروائية مضطربة متناقضة محتارة؛ لأن الجميع يسأل (ما هو هذا الأمر)؛ فتحاول تلك الروايات أن تخترع شيئاً مقنعاً؛ لكنها تفشل؛ ومن المناسب استعراض المشهور منها، ثم نقده نقداً موضوعياً مختصراً، حتى يعرف الجميع أنها لم تفتنا تلك الروايات؛ لكنها بصراحة غير مقنعة.
وكثرة تلك الروايات وتناقضها يدل على أنها إما تتجنب عمداً ذكر الموضوع؛ أو أنها نتيجة ثقافة سابقة أرادت ضياع القضية؛ فضعنا مع ضياع الأمر؛ والعتب ليس على الفقيه العربي (فهو غالباً لا يستطيع حتى لو علم أن يشهد لله)؛ ولكن المثقف العربي يفكر خارج إطار الجماعة أو يفترض هكذا. فالمثقف الغربي - وهو قدورة المثقف العربي - يفكر وحده ويبحث وحده ويخرج بقراءة وحده، ولا يبالي بمن تبعه ممن أعرض عنه، وهكذا يجب أن يكون. لكن المثقف العربي ليس كالمثقف الغربي، فهو خليط من مجموعة أوادم؛ فله قلب ابن تيمية وعقل أرسطو  وغاية ميكافيلي؛ لذلك كلامهم كثير ونفعهم قليل؛ وهذه أبرز الأحاديث والروايات في تفسير آية التبليغ والعصمة في المائدة(آية 67) مع النقد:
سأذكر الرواية بالمعنى مختصرة مع النقد مختصراً أيضاً.
1- الروايات التي تقول أن أبا طالب والعباس كانوا يحرسون النبي بمكة؛ ثم لما نزلت الآية قال انصرفوا ... وهذه روايات منكرة موضوعة، لأن الآية نزلت في آخر العهد المدني؛ لا في أول العهد المكي، ثم نحن نعلم أن الأذى ومحاولة اغتيال النبي استمرت إلى ليلة هجرته، وما كانت هجرته إلى المدينة إلا تجنباً للقتل، والقرآن يرد هذه الروايات  (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك)؛ فالرواية من روايات الالتفاف.
 رواية عائشة: أن النبي كان يحرس حتى نزلت هذه الآية؛ فقال للحراس انصرفوا .. وهذا ضعيف والصواب أنه مرسل من رواية عبد الله بن شقيق فقط؛ وكان بصرياً ورأيه معروف ، وكان من أصحاب الحرص على الالتفاف الروائي، وفي سند الرواية الحارث بن عبيد الإيادي ضعيف جداً؛ فهذه الرواية كغيرها؛ أتت استجابة لثقافة سائدة تريد التستر على الأمر أو تدفع عن نفسها الحرج والتهمة؛ وكانت البصرة من البلدان الروائية التي يتملكها ذلك الهوى.
والحارث بن عبيد الضعيف هو الذي وصله عن عائشة، وإلا فهو موقوف على عبد الله بن شقيق (أحد نواصب البصرة)؛ قال ابن معين وغيره (كان يبغض علياً)؛ والبصرة كانت هكذا إلا من رحم الله؛ فروايات أهل البصرة حريصة للتماشي مع الواقع السائد المتستر على الأمر الذي تتوقف عليه الرسالة.
والغريب؛ أن المفسر القديم سعيد بن منصور (227هـ) لم يذكر في تفسيره إلا هذه الرواية الضعيفة من رواية الحارث بن عبيد عن الجريري عن عبد الله بن شقيق عن عائشة؛ وهي رواية ضعيفة جداً؛ وترك رواية ابن علية عن الجريري عن ابن شقيق موقفة عليه؛ وهو الصواب؛ وكان سعيد بن منصور من أهل الحديث الذين بدءوا ينتقون الروايات المرفوعة؛ وأن كانت ضعيفة على الروايات المرسلة القوية، لإحداث ردة فعل (شرعية) ضد أهل الرأي.
الرواية الثالثة رواية عائشة في صحيح البخاري (4/ 1686) قالت : من حدثك أن محمدا صلى الله عليه و سلم كتم شيئا مما أنزل عليه فقد كذب؛ والله يقول { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك } اهـ
وقول عائشة هنا صحيح، لم يكتم النبي شيئاً؛ ولكن ليس في الحديث جواب على ذلك الأمر ما هو؟
الرواية الخامسة: رواية محمد بن كعب القرظي أن النبي اتخذ حرساً؛ فلما نزلت الآية طردهم، وهذا ضعيف؛ محمد بن كعب القرظي تابعي مات سنم 118هـ ولم يسند، إضافة أنه من المتحملين للأخبار الشائعة دون تحقيق.
الرواية السادسة: رواية ابن عباس ؛وفيها عكرمة مولاه كذبه أكثرهم، وكان ناصبياً كعبد الله بن شقيق، والنواصب من أكثر الفرق اهتماماً بكتم ذلك الأمر، وكانوا دولة قوية صارمة.
السابعة: من رواية أبي هريرة بأن النبي كان تحت شجرة - كأنهم في غزوة - وأتاه أعرابي وأراد قتله وقال من يعصمك مني قال الله، فنزلت الآية ؛ وهذا الخبر ضعيف، ولم يكن هناك غزوة بعد نزول الآية، نزلت أيام حجة الدواع وبعدها إلى وفاة النبي، سواء نزلت دفعة واحدة أو مفرقة.
هذه معظم الروايات الالتفافية؛ وقد تكررت كثيراً في كتب الحديث، والمكررة ضعفها الهيثمي كلها في مجمع الزوائد (7/ 18)؛ رغم تساهله في هذه الأمور والغريب؛ أن أهل الحديث؛ رغم تضعيف أكثرهم للرواة واتهامهم لكثير من رواة (التشتيت)؛ إما بالضعف أو بغض علي أو غير ذلك، إلا أنهم يعتمدونها متجاهلين أمراً مهماً؛ وهو أن هذه الآية نزلت في آخر عهد النبي؛  وفي أمر تتوقف عليه الرسالة؛ ولو كان المراد التبليغ العام فقد حصل من قبل؛ وليس في سورة المائدة أمراً أهم من بيان الوحدانية والعبودية لله ونبذ الشرك، وهذا قد بينه الرسول في أوائل الدعوة، لابد من أمر يقود هذا كله.
وفي ظني أن استجابة الرواة للثقافة السائدة في العهد الأموي، كانت السبب في كثرة الروايات الالتفافية رغم ضعفها، وأهل الحديث يهملون الأثر  السياسي والمذهبي على شهرة أحاديث وانطفاء أخرى؛ وعلى توثيق ضعفاء وتضعيف ثقات؛ وهكذا ؛ فالأثر السياسي والمذهبي والعصبي كبير جداً على الرواية والحديث ، وهذا ما يجب أن يعالجه المثقف العربي لا الفقيه. لأن الفقيه من طبيعته وتشكليه الثقافي لا يدرك الآثار الخارجية على الحديث. فأهل الحديث فئة متخصصة في الإسناد، وقراءتها بعيداً عن الأثار السياسية الضاغطة، وهذه استجابة للسياسة من زاوية أخرى لو فقهوا.
وبقيت روايات أخرى كأنها الأقرب إلى التصريح بالأمر، ولمن رواتها واجهوا تكذيباً واتهاماً من الثقافة السائدة، فالثقافة السائدة طاردة لكل ما خالفها؛ حتى وإن كانت أقرب إلى تدبر الآية وزمنها وتعظيمها ومعنى العصمة فيها ...الخ؛  فهذا الأمر يعالجه المثقف لا الفقيه.
المثقف العربي تخلى عن مسؤوليته، وتبع الفقيه، هذا إذا حددناه بالمثقف المعاصر، وإذا أخرجنا منه الشعراء المتقدمين، الذين  كان بعضهم يصرح.
هل بقيت روايات أخرى هي الأقرب إلى ذكر الأمر الذي أمر الله رسوله بتبليغه؛ وهل يتوقف عليه فعلاً تبليغ الرسالة؟
الجواب: نعم، ولكنها تعرضت ولكنها تعرضت ورواتها لحرب شرسة من التيار السائد الذي يمثله الفقيه والمحدث، وكانت حربهم لتلك الأحاديث ورواتها مبنية على الثقافة السائدة التي تجعل الآية نزلت في العهد المكي، ومرة في أوائل العهد المدني، ومرة تحت شجرة، ومرة في قبة ، الخ؛ المهم؛ أنهم يعتمدون هذا التناقض في الرد. ومثلما اضطرب التيار السائد في مناسبة نزول هذه الآية، اضطربوا في سم النبي أيضاً، وأتوا بروايات كثيرة أنه مات من شاة خيبر كما تقدم. والتيار السائد قوي جداً بالكثرة والجرأة وحضن السلطة، وليس قوياً بالبرهان والدليل؛ لذلك؛ يستطيع تضعيف الثقات وتوثيق الضعفاء بسهولة.
المثقف العربي يخشى مخالفة السائد إلا في الأمر البعيد؛ أما في الأمر القريب؛ كالتساؤل حول حكم فقهي أو عقائدي فلا يجرؤ على المنافسة؛ بمعنى؛ قد يجرؤ على اتهام النبي أو الإلحاد ..الخ؛ ولا يجرؤ على اتهام السائد بأنه أخفى أو التف أو شتت أو استجاب أو غفل .الخ؛ فهذا يكلفه كثيراً.
أيضاً؛ يخشى المثقف العربي أن يوافق الآخر في فكرة وإن خالفه في البقية؛ المثقف العربي ابن بيئته، ويفضل الكفر على أن يتفق مع المختلف في فكرة. وهذا بالضبط ما أصاب القبيلة الأولى؛ تستطيع أن تؤمن بكل شيء إلا أن تتميز عنها قبيلة أخرى؛ وهذه صرح بها أبو جهل نفسه؛ وهو من أدق معاني الكفر؛ والغريب؛ بل المذهل؛ أن الآية ختمت بقوله تعالى ( إن الله لا يهدي القوم الكافرين)؛ فاللهم اعصمنا من الكفر وعلمنا الإنصاف والتسليم والتواضع.
وهذا المعنى للكفر (قرآنياً) يتمدد حتى يصل للمسلم؛ وهو ما أسميه (الكفر النسبي)، وهو مبين كثيراً في القرآن، لكن السائد يهمل ذكره حتى يطمئن. ولعل إهمال السائد لذلك ( الأمر المبلغ ) الذي يتوقف عليه (إبلاغ الرسالة) وما جعل المسلمين يهملون معاني القرآن الكبرى كلها تقريباً.
ربما لو تم كشف ذلك الأمر والاستجابة له، لكنا مسلمين كما يحب الله؛ ولكن التشويش والتكتم عليه أفسد الجميع؛ من معه ومن ضده؛ بالفعل وردة الفعل.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق